الاثنين، 27 يونيو 2011

{ ثقتي بربي وثقتي بديني }




قصة حقيقية حصلت معي بكوريا سنة 2002م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان يعمل معي شاب كوري في الثلاثينات من العمر ، وقد درس المُحاماة والقانون ولم يعمل بتخصصه ، وعمل في في شركة تصدير السيارات المستعملة كموظف مبيعات أو ( ديلر ) وكان يتمتع بذكاء وفطنة ولباقة ويُجيد التكلم بالإنجليزية ، وفي ذلك الوقت لم تكن كوريا مُنفتحة على العالم بالنسبة للغات الأخرى حتى عام 2002 عندما استضافت كوريا كأس العالم في هذا العام ، وكان متزوجاً ولديه ولدين ويُدعى ( saint ) ،

وكان يطمح أن يُصبح مليونيراً كحال جميع الشباب الطموحين في العالم ، وكنت أعمل معه من الصباح وحتى المساء ، وكنا كثيراً ما نتناقش في الإسلام ، ولكن للأسف كانت أحداث 11سبتمبر2001 قريبة ، والإعلام الغربي اليهودي قد شوه صورة الإسلام لدى الشرق والغرب ، وحتى عند ضعاف الإيمان والنفوس من المسلمين .

لم أمل من دعوة هذا الصديق أو الموظف الذي يعمل معي للإسلام مراراً وتكراراً ، ولكن بلا جدوى ، رغم كثرة أسألتهِ التي لا تنتهي عن الإسلام ، فمما كان يسأله ، لماذا الإسلام يُحرم الخمر ، الخنزير ، لباس المرأة ، الصوم ، الصلاة ، وأمور أخرى كثيرة كان يُشاهدنا نفعلها ، وفي كل إجابة مني لهُ كنت أرى في عينيه الإقتناع تارة ، والشك تارةً أخرى والرفض .

وفي يوم أتتني فكرة ، فقلت له : أنت مُتشكك من ديني ... ؟؟

قال : نعم .
قلت : لدي فكرة ، بل قناعة وثقة بربي وبديني ... !!
فقال : ما هي ؟؟
قلت : أنت تطمح أن تـُصبح مليونيراً ومن كبار رجال الأعمال والمال ... ؟؟
قال : ولم تركت المُحاماة والوظيفة وعملت بالتجارة الحرة ... ؟؟
قلت له : لدي الحل ولكن عليك بتطبيقة والإلتزام به جيداً .
قال ساخراً : وما هو ... ؟؟
قلت : في ديني ، الله سبحانه وتعالى يُكافئ بالحسنة عشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، وإلى أضعاف كثيرة كما في الآية والأحاديث ...
قال تعالى : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) الأنعام 160 .

* عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات . ثم بين ذلك . فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة . وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة . وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة . وإن هم بها فعملها ، كتبها الله سيئة واحدة . وفي رواية وزاد : ومحاها الله . ولا يهلك على الله إلا هالك ) صحيح مسلم ، وصحيح البخاري واللفظ لمسلم .

قمت بترجمة الآية والأحاديث له .

فقال : وما دخلي أنا بهذا الكلام وأنا لا أؤمن به ... ؟؟ 
فقلت له : إنتظر ، ولا تتعجل ، ربما ينطبق عليك أكثر منا نحن المسلمين ... !!
قال ساخراً : وكيف ذلك ... ؟؟
قلت : نحن معاشر المسلمين ينطبق علينا هذا ، ولكن نحن نبقى في دائرة البلاء والإمتحان والتمحيص ، فنـُسلب النعم تارة ونُعطاها أخرى ، وهذا حال المؤمن أبداً حتى يأتيهُ اليقين ( الموت )،
أنثبت على ديننا أم نتراجع ؟؟ كما في الآية التالية :
قال تعالى : ( ... وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )البقرة 217 .

ولكن أنت ، بما أنك لا تـُريد أن تنستب لديني ، فيُكافئك الله تعالى في الدنيا حتى ترضى وحتى بأكثر من ذلك ، وما لك في الآخرة من نصيب ،كما في الآيتين التاليتين :

قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ )الشورى 20 .

وقال تعالى : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) الأحقاف 20 .

وتستطيع أن تتحقق بصدق ديني ، وبعدها أنت بالخيار ، إن شئت آمنت وإن شئت كفرت ، كما في الآية التالية ،

قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف 29 .

قال : أنت تضمن ما تقول ... ؟؟
قلت قول الواثق بربهِ وآياتهِ : نعــــــــــم .
قال : وما الضمان ... ؟؟ 
قلت : جرب ولن تخسر شيء فأنتم شعبٌ تـُحبون المُقامرة والقمار .
قال : هات ما عندك ... !!.
قلت : تـُحسن إلى الناس ، وتنفق المال لمساعدتهم ، وتعمل المعروف دون إنتظار الأجر من أحد ، وتـُحسن إلى التجار المسلمين خاصة وتبذل لهم العون ...

قال : سأفعل ، ومما جعله يُطيعيني وهذا الأهم ، ما رأه من صدقٍ وأخلاقٍ في تعاملي مع الأخرين ومن سمت الإسلام ولا أزكي نفسي على الله فإن النفس أمارةٌ بالسوء ، ورغم كثرة فساد التجار العرب ، وسوء أخلاقهم وكذبهم وتردي تعاملهم ...

ومضت الأيام والأشهر ، ورجعت مرة أخرى بعد مدة ليست بالطويلة ، وقابلته في الميناء صدفة ، فإذا بهِ يُخبرني لقد فتحت شركتي الخاصة وهذا كرتي وعنواني ، ولدي مجموعة من السيارات المُستعملة للبيع وليس لدي زبائن بعد ، فساعدني ...

وكان سوق السيارات المستعملة في الأردن على أوجه خاصة بعد سقوط بغداد وفتح الأسواق الليبية والخليجية ، بحثت في الشركة التي كنت أتعاملُ معها فوجدتُ شُحاً في السيارات مع كثرة التجار ، وبعد يومين ، اتصلت به وأخبرته ألا يبيع ما عندهُ من سيارات وغداً سأذهب إليه ، وفعلاً ذهبت في الغد وقمت بشراء جميع السيارات التي كانت عنده ، وطلبت منه العمل بجد لشراء الأنواع التي أريدها ، وابتدأ المشوار ...

وفي هذه السفرة لعام 2003 م كانت معي زوجتي أم مهند ، وقد فتح الله عليّ في هذه السفرة حيث أرسل لي صديق 170 ألف دولار من الأردن لشراء سيارات له بإتفاق على أجرٍ مُعين ، فضلاً عما اشتريته أنا من عدد] لا بأس به ...

وعملاً بنصيحتي ، كان يُنفق على كل مُحتاج أو مُحتاجة ، وكان الكريم جل جلالة يُجزل لهُ العطاء أضعافاً مُضاعفة ،ومما حضرتهُ عنده من هذه المواقف ، أن إمرأة عجوز تأتي لأخذ أحذية من مكاتب الشركات لتدهنها وتنظفها فتعول نفسها ،
فقال لي وللموجودين أعطوها أحذيتكم لتنظفها وبعد دقائق ستعيدها ، فمن عادة الكوريين أن يضعوا (حفايات ) في المكاتب لإستعمالها من قبل الزبائن والأرضيات تـُستعمل عليها( الحفايات )فقط ، فهمس لي قائلاً : أنا لا أريد تنظيف حذائي ، فحذائي نظيف ، ولكن أنا أعطف على هذه العجوز وأعطيها أجراً كبيراً على ذلك ، ثم لا أريدُ أن أشعرها بمني عليها إذا أعطيتها دون مُقابل ....

وموقف آخر : حضرت صبية كانت تعمل في الشركة التي كنتُ أتعاملُ معها سابقاً وكانت ضمن السكريترات في الشركة ، وحينها كان هو موظفاً في نفس الشركة ، فقد طُردت من عملها وأنها تبحثُ عن عمل ، وصدف أنه لديه ما يكفي من الموظفات والموظفين ، ولم يكن عملهُ قد كبر واتسع ، فاعتذر لها بقمة الأدب وذهب إلى الخزنة ووضع مبلغاً لا أعرف مقدارة ووضعه في مغلف ثم فتح حقيبة يدها ووضعه بها وهي تـُحاول أن تـُعيده ، ولكنه أصر ثم ذهبت ....

وعندما أردتُ أن أسافر اشترى لي هدية ، تفاجئت عندما دفع قيمتها بأكثر من 750 دولار ، وغيرها وغيرها وغيرها ...

ومرت الأيام ، وعملتُ معه منذ عام 2003 م إلى عام 2006 م، فأخبرني بأن ما جمعهُ في ثلاث سنوات فقط كان 7 مليون دولار $ أمريكي ،

فلا عجب ، وسأذكر بعملية حسابية بسيطة كيف توصل إلى هذا المبلغ :

تدفع الحكومة الكورية ما قيمته 9 % من قيمة السيارة المُصدرة ( ضريبة راجعة ) من المبيعات ، بالإضافة إلى 150 دولار & يدفعها التاجر أمثالنا على كل سيارة نشتريها عن طريقهِ ،بالإضافة ما يجنيهِ هو من شراء سيارات لحسابهِ ويقوم ببيعها لنا ، وقد مضى وقت خلال هذه الفترة وكانت شركته تعُجُ بالزبائن ، وربما كان يُصدرُ في الشهر الواحد أكثر من500 سيارة ، عدا عن استخدام مبلغ كبير في سوق البورصات،فكيف لا وقد نفذ الوصية بحذافيرها ...

اخوتي في الله ،

ربما في هذه القصة من العبرة والموعظة ، لتـُجيب على تساؤلات كثيرٍ من الناس مثلاً ، لماذا يُضيق الله عليَّ ، وأنا العبد المُلتزم ... ؟؟ لماذا ربنا يُعطي الكفار الكثير مع عصيانهم ... ؟؟ ولماذا نفقد أشياء نحتاجها ، أو أناس نحبهم وعزيزين علينا ... ؟؟ لماذا يُضيقُ على المسلمين ويُفرجُّ على غيرهم ... ؟؟ ولماذا ... ولماذا ...

تجد الجواب عند من أوتيَّ جوامع الكلم عليه صلوات ربي وتسليمه :

* عن سهل بن سعد الساعدي (رضي الله عنه)وغيره، قال : قال (صلى الله عليه وسلم) : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء )الألباني ، وفي صحيح الترمذي ، والسلسلة الصحيحة.

* وعن أبي هريرة(رضي الله عنه) قال : قال (صلى الله عليه وسلم) : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) صحيح مسلم .
والألباني - صحيح الترمذي ، صحيح .

* وعن كعب بن مالك(رضي الله عنه) قال : قال (صلى الله عليه وسلم) : ( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع . تفيئها الريح . تصرعها مرة وتعدلها أخرى . حتى تهيج . ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية على أصلها . لا يفيئها شيء . حتى يكون انجعافها مرة واحدة ) في الصحيحين واللفظ لمسلم .

ولكن حذارِ حذارِ ، يا عبد الله أن تسلك طريق الكفر والمعصية لتنال الدنيا ونعيمها ، فتخسر الدنيا والآخرة ، وذلك مصداق قولهِ تعالى :
( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف 103 + 104 .

هذا والله أعلى وأجل وأعلم

فإن كان من خيرٍ وحقٍ وصواب ، فمن الله وحده ، وإن كان من خطأ أو سهوٍ أو نسيان أو رياء فمني ومن الشيطان .

وأستغفر الله ، وأدعوه أن تكون هذه القصة والموعظة في موازيني يوم ألقاه ، وألا يكون للشيطان حظٌ فيها ولا سُمعة ولا رياء .

كتبه // الشيخ جميل لافي
17 / 6 / 2011
عمان 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق